اقلام وافكار حرة

الدكتور فرج: الاحتجاج السلمي في الإسلام منطلقه أصل الحياة في السلم لا الحرب

غارات صهيونية على القطاع؟
• بدأت عبر تطبيق زوم وبرؤية متبادلة وكأننا نجلس معاً. انقطع الإرسال أكثر من ثلاث مرّات بفعل الغارات الصهيونية، والتضييق على وسائل التواصل من قبل العدو. في الحقيقة كنّا في خشية على صلاح زعرب الذي وصف ذاته بالشهيد الحي من بين أفراد عائلته. جميعنا كان قلقاً على سلامته، وطلبت رئاسة الجامعة منه تسجيل كلمته مسبقاً، لتكون وثيقة قانونية منه. أثبت صلاح لهيئة المناقشة العنفوان الذي يتحلّى به، وأمله ببناء الحياة واستمراريتها. رغم كوننا في بيروت ومن على المنبر الجامعي كنّا نشمّ رائحة الموت الذي يعيشه أبناء غزة المباركة. كنت أتراسل مع صلاح قبل المناقشة بيومين موجهاً بعض الملاحظات حول بحثه. وحين عتبْت لعدم التزامه ببعضها، علمت لاحقاً أن الغارات لم تكن لتتوقف من حوله. وردد لي أكثر من مرّة «إذا بقيت الروح في الجسد وبقيت على قيد الحياة سألتزم بالملحوظات». وهذا ما أثّر بي كثيراً.
○ حكومات الغرب جميعها منحت الاحتلال الصهيوني مشروعية الدفاع عن النفس. كيف تنظرون إلى «الاحتجاج السلمي ومشروعيته في الإسلام» بمواجهة حلف الأطلسي؟
• إنها صورة مفاجئة من الغرب بعدم الموافقة على وقف إطلاق النار وبدعم دون حدود للكيان الصهيوني، في حرب هدفها المدنيين من أطفال ونساء ومرضى في المستشفيات. كمشرف على هذه الرسالة إلى جانب الطالب الباحث استحضرنا هذا الجانب، قتل المدنيين في فلسطين وعلى مدى أكثر من قرن قائم، والغرب بإطاره السياسي يدعم الكيان. وهذا ما يعود لفلسفة الغرب ونظرته للإنسان. توماس هوبز اعتبر الإنسان ذئباً لأخيه الإنسان ومحكوما بالغرائز القائمة على الأنانية، والجشع، والتحكُّم، والتسلُّط. أي على غرار مدرسة ميكيافللي «ما ينفع فهو ضروري». وفي هذا السياق يرى الغرب الحرب أساساً وليس السلم، انطلاقاً من أنّ الإنسان في طبعه شرير. وفي الغرب رؤية ثانية تنطلق من طبيعة الإنسان ومن فطرته، فالطبيعة تدّلنا إلى الخير، وهي قائمة على السنن الإلهية كما قال الكثير من الفلاسفة من: يونانيين، وعربٍ، ومسلمين. أي أن الإنسان مدني بطبعه ويتفاعل مع من معه. وإذا انطلقنا من هذا التأصيل حيث الحرب هي الأساس لدى الغرب وليس السلم، وخاصة مع المنظمومة الحاكمة الآن، نرى أن الإسلام ينطلق من الخيرية المطلقة في المجتمع، وأن الأصل في الحياة هو السلم وليس الحرب، حتى وإن كانت الحرب قائمة ومنذ عقود، فعمق النظرة إليها في الإسلام ليس القتل. الحرب في الإسلام دفع للعدوان ورفع للظلُم. وثمّة أثر لسيدنا علي نقف عنده حين قال نبي الرحمة في أرض المعركة «لأعطينّ الراية غداً لرجل يحبه الله ورسوله». نظر الرسول إلى الحضور فلم ير علي بن أبي طالب مع الصحابة، فكل حاضرٍ تمنّى أن يكون خارج هذا المجلس رغم كونه مجلس النبي عليه السلام، لعله يكون هو حامل الراية. فقال رسول الله «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟ فَقَالُوا: هُوَ، يَا رَسُولَ اللّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ… فقال: يَا رَسُولَ اللّهِ أُقَاتِلْهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا. فَقَالَ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ. حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ. ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ. وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللّهِ فِيهِ. فَوَاللّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ». ففي أرض المعركة يتلمّس الهداية فالهدف ليس القتل، بل حياة الإنسان بحد ذاته ما لم يكن ظالماً أو معتدياً. إذاً السؤال لماذا الوسائل السلمية مع العدوان؟ كي نقول للمجتمع الإنساني والدولي والإسلامي والمحلّي، أنّ حامل المشروع الإسلامي يريد عمران المجتمع والحياة انطلاقاً من النظرة الخلدونية حول الإعمار البشري، وتالياً عندما تنتهي أوزار الحرب نحن حاضرون للدفاع عن حقوقنا سلمياً. ورغم استشهاد النساء والأطفال والرجال والشباب، ننظر إلى المستقبل وبأننا سننظر إلى عملية المواجهة المقبلة من خلال القوة المعنوية والفكرية وكافة الوسائل المعاصرة.
○ كيف نحتج سلمياً ونحن متهمون بالإرهاب ووصفنا بأننا من «الوحوش البشرية»؟
• إذا اتفقنا على أن الأصل في الإسلام هو السلم لا الحرب، فهناك أحكام تتبدّل وتتغيّر بين فقه الحرب وفقه السلم. هذا التغير في الأحكام لو كان في العمق لا يستهدف حركات التحرر لا العربي ولا الإسلامي، فهو يستهدف الإسلام كونه منهج حياة. وهو لا ينطلق من الإثنيات، أو اللون أو العرق، أو الجنس. الإسلام يجمع ولا يفرّق، ويطرح قوة الحق لا حق القوة. الغرب في منظومته السياسية لديه أحكام مسبقة سواء كنّا نتحدّث عن وسائل الاحتجاج السلمي أو المواجهة الحربية العين بالعين والسن بالسن، سواء كنّا في موقع المواجهة العسكرية أو في موقع المواجهة السلمية، برأيي سيان إن واجهنا بالمقلاع أو بالحجر، باللسان أو باليد. أرى موضوع المواجهة فيما يتعلق بفلسطين لدى الغرب واحد، ومع ذلك الهدف من طرح الجانب السلمي رغم مشروعية حركة التحرر في شرعة الأمم المتحدة وفي القانون الدولي، لكننا في البيئة العربية المشرقية لدينا مرجعية تحمينا، في الوقت الذي نطرح فيه الوسائل السلمية بهدف إيقاظ عقول أحرار العالم، وإيقاظ الشعوب، وتحريك الحس الإنساني. الخير موجود في الإنسان، ونحتاج لحكمة كي نحرّكه، وتسليط الضوء على المظلوم والظالم. المعيار هو الظلم وليس الدين الذي ينتمي إليه الظالم أو المظلوم.
○ المواجهة مع الغرب كاستعمار وليس المسيحي؟
• لا وجود للغرب بمعناه الديني الحاكم، بل هو قد نزع إلى مادية الحياة، وبالتالي الصراع ليس دينيًا بل صراع حضارات. إشكالية الغرب في أحكامهه المسبقة علينا. وعندما يتكلمون بوجوب عدم انتقال الديمقراطية إلى البيئة العربية والإسلامية بحجة أننا سنوصل من خلالها التطرف الديني سواء كان مسيحياً أو إسلامياً مستهجن. فحماس كحركة تحرر وصفت بالإرهاب وأُضِيف لها الدعشنة. جوهر الإسلام بدأ في المجاهد القسّامي مداعباً أطفال الصهاينة، ومغطياً رأس المرأة الصهيونية من حر الشمس، فيما المجزرة مستمرة منذ أكثر من شهر ويومياً على مرأى من الأنظمة العربية والإسلامية والعالمية وما من أحد يحرك ساكناً.
○ ماذا عن التقييم الذي ناله الباحث صلاح زعرب من لجنة المناقشة ومنكم كمشرف على الأطروحة؟
• مُنح درجة جيد جدا، وظني أنه لو كان بيننا لنال تقدير امتياز. فقد كنا حيال تنازع ما بين الجانب الإنساني، وهو الذي قال «أنا اتحدّث إليكم من تحت ركام الإنسانية التي داسها المجتمع الدولي تحت أقدامه». تعبير أثّر بي شخصياً، خاصة وأني أتواصل معه وهو يتحدّث عن مجزرة في كل لحظة، وشهداء يسقطون، ورائحة الموت تنتشر في فلسطين وغزّة على وجه الخصوص. على المستوى الشخصي أمنح صلاح زعرب مرتبة الشرف الأخلاقية للحفاظ على قيم الإنسان، أن رجلاً جلُّ أهله شهداء ما زال ينظر إلى المستقبل بعين الحياة، وبعين البناء، والإصلاح والمواجهة والتغيير الحقيقي. ينظر إلى الأمام لأنه يريد أن يغير من واقع فلسطين ومن واقع العالم. لو مزجت هذه الإجابة وما قلته سابقاً أرى أن جيلًا قادمًا من الغرب سيحمل عقدة في منظومة الأخلاق. وكوني أدرّس علم الأخلاق النظري وعلم الأخلاق العملي في الجامعة اللبنانية قلت لطلابي أنه علينا الاستمرار بقيمنا وأخلاقنا، حتى وإن من سطّر حقوق الإنسان وتحدّث عن الإنسانية شوّهها بفعله العدواني اللامسبوق على الإطلاق في التاريخ قديماً وحديثاً، وسأبقى على قولي بأن مشكلتنا مع الصهيونية، وليس مع اليهود. ولا مشكلة بالتعامل الإنساني معهم إن هم خرجوا من فلسطين كمحتلين وأعادوا الحق لأهله. صلاح زعرب سينتقل من الأطروحة النظرية إلى العملانية، وسيبقى شهيداً حياً شاهداً على العصر بأنه ظُلم وقُهرت إنسانيته كغيره. استشهد الأهل من حوله، وهو سيبقى يحمل مشعل النور والسلم في مقابل الحرب حين تنتهي. هو الآن يعمل على تحرير فلسطين وغزّة، وتحرير القدس وبيت لحم بمفتاح الإنسانية الذي يمتلكه في البعد الإسلامي. قيمته اللجنة بتقدير جيد جداً، مع قولهم بأنهم سيضعون الجانب الوجداني والعاطفي جانباً، وقالوا «اعذرنا يا صلاح بأننا سنحاكم هذا العمل بأدوت منهجية علمية، وهذا قوة لك في مواجهة الصهاينة، وأنه لم يُتعاطف معك في علمك لتُمنح درجة الدكتوراه. إنما تعاطفنا معك من منطلق الأبوة والإنسانية، والبيئة المشرقية، والحس الإنساني. لكننا نريدك أن تكون قوياً بعلمك، فحاكمنا ما وضعته في طروحتك بمعيار علمي، وهذا يمنحك قوة الحق في مواجهة الصهاينة لتحرير فلسطين كل فلسطين بأمثالك يا صلاح».

اجرت المقابلة . زهرة مرعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock