منوعات

ذكرى 26 نيسان: لبنان وسوريا بين حقائق الفصل ومخاطر الوصلْ…

بين لبنان وسوريا جغرافيا وتاريخٌ مشترك وروابط اجتماعية. وبينهما أيضاً، هواجس تاريخية منذ ال1920 ونزاعات لم تشفَ كل الذاكرة بعد من تداعياتها. وإذا كانت مرحلة ما بعد 26 نيسان 2005 قد منحت بيروت ودمشق فسحة صغيرة لإعادة قراءة التجربة بعد تثبيت “الفصل” بينهما، حتى عاد “وصلُ” النزاعات والإختراقات الداخلية لتُغرقَ لبنان بما هو أخطر من سيطرة خارجية سياسية وعسكرية، بعدما باتَ مخيماً كبيراً للنازحين السوريين.

هناك سلوكان لبنانيان تجاه التعاطي السوري معه، وخاصة بعد 13 تشرين الأول 1990. اتجاه يريد “الفصل”، بين تركيبة السلطتين على قاعدة احترام السيادة والقرار الذاتي، وترك الشؤون الداخلية، واتجاه آخر يريد “الوصل” بين التركيبتين الحاكمتين في سوريا ولبنان، على قاعدة تقاسم المصالح والمنافع. بمعنى آخر، يريد أركان هذا الإتجاه وهم من أركان منظومة التسعينات، أن تكون لهم “سورياهم” الخاصة بهم، على ما كان “أبو جمال” و”أبو يعرب” والعماد حكمت الشهابي لهم، رعاةً وناصحين وحُماة. لا بل أخطر من ذلك. أن يكبر التوهم أن باستطاعة هؤلاء التدخل في الشؤون الداخلية السورية، ووضع حكام سوريا “في جيبتهم”.
الإتجاه الأول عبّر عنه العماد ميشال عون في مؤتمر باريس في تشرين الثاني 2004، عندما قال إنه لا يريد انسحاب الدبابة السورية ليأتي بالدبابة الأميركية. الكلام أكثر من واضح. سوريا في سوريا ولبنان في لبنان. لا أكثر ولا أقلّ. الإتجاه الثاني، عبّر عنه نداء “إلى اللقاء سوريا” في 14 آذار 2005، على قاعدة أنه ستكون هناك “سوريا” أخرى مختلفة، وصديقة.
الإتجاه الأول صنع مصالحة على قاعدة تعاطٍ جديد، سيادي بالمعنى التقليدي لاهتمام كل عاصمة بشؤونها. والإتجاه الثاني الذي بدأ يضطرب منذ صعود بشار الأسد إلى السلطة، وصل إلى الحائط المسدود بعدما أُحبط الإنقلاب في الداخل السوري، وعشية التحفز الأميركي لإسقاط دمشق بعد اجتياح بغداد.

اتجاها الفصل والوصل أعادا تكرار سلوكهما في الحرب السورية. انتشت قوى 14 آذار بالإعلام المعادي لسوريا وبالتصريحات الدولية، وظنّت أن سقوط النظام الذي يسيطر على أهم بقعة جغرافية في المشرق، قاب قوسين أو أدنى. جهلٌ بالإستراتيجيا ومصالح ضيقة واستهتار بالحدود الوطنية، رفض لإقفال الحدود أوصل إلى اجتياح النازحين، وإلى احتلال مناطق لبنانية عسكرياً، وصدامات مع الجيش، بما ذكّر بالمثال الفلسطيني لولا توازنات القوى المعروفة داخلياً. الإتجاه الثاني حذّر من خطر النزوح والتفلت، ودعا إلى البناء على هواجس روسيا في الأمن القومي، وتوازنات الإقليم والتحولات الدولية، لبناء سلوك وطني يحمي لبنان.

مرّت السنوات والأيام، قبل أن تقع الحقائق والتوازنات على رؤوس الأوهام الكبيرة. بقي بشار الأسد وانقلبت الدول العربية التي صارعته وصار الطريق إلى دمشق مفتوحاً. لكن في لبنان، استمر الإجتياح قائماً، لا بل كبر مجتمع النزوح وبات يهدد بإزالة المجتمع اللبناني وتغييره. كل من صرّح وطالب بفتح الحدود إلى ما لا نهاية، وكل من رفض التحاور مع الدولة السورية لعودة النازحين، يجب ألا يتكلم قبل الإعتذار من اللبنانيين عن الإجرام الذي يمارسه جهَلة السياسة.

في 26 نيسان 2023، ثَبُتَ سقوط الوصل وانتصر اتجاه الفصل بين التركيبتين الداخلية في كل من لبنان وسوريا، ولكن، بثمن هائل إسمه مليوني نازح سوري!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock