اقلام وافكار حرة

رجاء الله عبادة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله المنعم بلطفه وإحسانه، والمنير قلوب أهل فضله بنور إيمانه، فأنار وجوههم بفضائل شمائلهم، كما قال عنهم سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: “وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ” والصلاة والسلام على نبينا المصطفى محمد الأمين، وآله وصحبه المكرمين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ومن تبعهم بصدق وإخلاص وتقوى وكان من المحبين.

أما بعد،

فأسال الله سبحانه وتعالى لجميع الإخوة والأخوات الصائمين منهم والصائمات، عن الطعام والشراب، بالإضافة إلى صيام الجوارح عن المعاصي والآثام، والقلب عن سوء الظن والأوهام وكل ما يبعده عن حضور الله سبحانه وتعالى، أن يتقبل منا ومنهم صالح أعمالنا وأعمالهم، وصيامنا وصيامهم، وقيامنا وقيامهم، في هذا الشهر الفضيل والمبارك.

من مراحم الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر المبارك، وفي كل الأيام، التخضّع له عز وجل بالرجاء، لقبول الأعمال، والعفو عن السيئات. فما هو مفهوم الرجاء؟ وما هي شروطه؟ وهل هو أن نتكل على الله ونطلب منه حاجتنا بدون سعي منا، أو نطلب العفو والمغفرة منه، ونحن غارقون في المعصية والإثم بدون توبة وعودة عن تلك الأفعال؟

تعريف الرجاء:

الرجاء في اللغة بمعنى الأمل، وهو ضد اليأس، وقد قال ابن الأثير في كتابه النهاية: “الرجاء بمعنى التوقع والأمل”.

وأما في الاصطلاح فالرجاء هو ارتياح القلب لانتظار ما هو محبوب عنده، وترقب حصوله، إذ إن الرجاء محمود لأنه باعث؛ أي يبعث على العمل، بعكس اليأس، فاليأس مذمومٌ؛ لأنه صارف عن العمل، قال تعالى: “وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ”. فالرجاء في الله: هو الاستبشار بجود الله وفضله، والطمع بإحسانه وعطائه، وتعلّق القلب به، والشعور بالثقة والطمأنينة لحصول ما عند الله من الخير والنعيم في الدنيا والآخرة، والنظر إلى سعة رحمة الله به، مع الأخذ بالأسباب، وبذل الجهد، والتوكل على الله، وحسن الظنّ به، فهو عكس التمني الذي يكون مع الكسل وترك العمل، وعدم الأخذ بالأسباب، وعدم حسن الظن بالله، وعدم التوكل عليه، حيث قال تعالى: “لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ”.

و قال تعالى: “لاتقنطوا من رحمة الله”. وقال عز وجل: “قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم”.

وفي أخبار نبي الله يعقوب (ع) أن الله تعالى أوحى إليه: “أتدري لِم فرقتُ بينك وبين يوسف؟ لأنك قلت أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون، لِم خفت الذئب ولم ترجني؟ ولِم نظرت إلى غفلة إخوته ولم تنظر إلى حفظي له”؟ وفي الخبر أيضا: “أن رجلاً من بني إسرائيل، كان يقنّط (القنوط شدة اليأس) الناس ويشدّد عليهم، قال: فيقول الله تعالى له يوم القيامة: اليوم أؤيسك من رحمتي كما كنت تقنّط عبادي منها”.

وفي الحديث الشريف عن رحمة الله: “لو أذنب العبد حتى تبلغ ذنوبُه عنان السماء غفرتها له ما استغفرني ورجاني” وورد أيضا في الحديث: “لو لقيني عبدي بقراب الأرض ذنوباً، لقيته بقراب الأرض مغفرةً”.

وقال يحيى بن معاذ: “يكاد رجائي لك مع الذنوب يغلب رجائي إياك مع الأعمال. لأني أجدني أعتمد في الأعمال على الإخلاص، وكيف أحرزها، وأنا بالآفات معروف؟ وأجدني في الذنوب أعتمد على عفوك وكيف لا تغفرها وأنت بالجود موصوف.

ومن خلال ما سبق يمكن القول بأنّ للرجاء ثلاثة أقسام:

١- من يرجو ثواب الله من خلال مداومته على طاعته وهديه وهو محمود.

٢- التائب من ذنوبه ويرجو مغفرة الله ويطمع بعفوه ولطفه وهو محمود أيضاً.

٣- الذي يرجو رحمة الله تعالى دون الأخذ بالأسباب والأعمال وهذا التمني مع الكسل وهو رجاء مذموم. كما قال معروف الكرخي: “طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب، ورجاء الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور، وانتظار رحمة الله بالعصيان جهل وحمق”.

وانطلاقا مما تقدم نلاحظ، أن رجاء رحمة الله لا يكون مع ترك الطاعات وعدم الالتزام بالنواهي، فإن هذا يسمى اغتراراً والله تعالى يقول: “يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنَّكم الحياة الدنيا ولا يغرنّكم بالله الغرور(” كما أن الله سبحانه وتعالى سمّى من يقوم بهذا الفعل “بالخَلْف”، والخَلْف اسمٌ يطلق على الرديء من الناس، أو الولد الطالح، قال تعالى: “فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ۚ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ ۗ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ”.

ثمرات الرجاء

عندما يكون العبد دائم اللجوء إلى الله تعالى يرجو رحمته في الدنيا والآخرة، يُؤدي ذلك إلى حالات ومقامات عديدة، عنده يُشعره الله بالاطمئنان، ومن ذلك:

١- تظهر عبوديته لله تعالى والحاجة إليه فيتخلص من غضبه.

٢- إقباله الدائم على الله تعالى والدعاء له والإلحاح عليه لعلمه بلطفه ورحمته فيشكره على نعمه.

٣- كلما حصل المرجو من الله زاد العبد تقربا إليه وبالتالي كان ملازماً لطاعته سبحانه لاستشعاره بعظمته ولطفه .

٤- أما الثمرة الكبرى، فهي نيل رضى الله تعالى والفوز بمحبته في الدنيا والآخرة.

وفي هذا الصدد يقولة ابن القيِّم: إن العبد إذا تذكَّر ذنبه تنفَّس بالخوف، وإذا لمح رحمةَ ربه، وسعة عفوه ومغفرته، تنفَّس بالرجاء، وإذا ذكر جلاله وكماله وجماله، وإحسانه وإنعامه وفِضالَه، تنفَّس بالحبِّ، فليَزِن العبدُ إيمانه بهذه الأنفاس الثلاثة؛ ليَعلَم ما معه من الإيمان.

اللهم إنّا نتضرّع إليك بعفوك وغفرانك وحلمك وكرمك، أن تتقبّل منا كل رجاء فيما يرضيك ويقرّبنا من طاعتك، ولا تردّنا يارب خائبين بسبب ذنوبنا وسوء أعمالنا، يا أرحم الراحمين.

 

المراجع:

١- القرآن الكريم.

٢- محمد بن محمد الغزالي؛ إحياء علوم الدين؛ المجلد الرابع- باب الخوف والرجاء.

٣- محمد بن محمد الأسطل؛ أرجى آية في القرآن الكريم؛ ٣١/ ١٠ /٢٠١٢؛ موقع الألوكة الشرعيّة.

٤- د. نهى قاطرجي؛ الرجاء؛ موقع صيد الفوائد.

٥- خالد شرادقة؛ فضل الرجاء في الله؛ ٢٤/ ١١/ ٢٠٢٢؛ موقع موضوع دوت كوم.

٦- منى شامية؛ تعريف الخوف والرجاء؛ ١٥/ ١/ ٢٠٢٢؛ موقع موضوع دوت كوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock