منوعات

إعدام غزة.. إعدام قِيَم العالم بأكمله

| محمد يونس العبادي |
ربما تشبه مناخات اليوم، وما يجري في غزة، مناخات النكبة، ولكنها اليوم أخطر. فالحكومة التي تدير هذه الحرب، هي نتاج تطرف يميني قائم على العقيدة.

نحن اليوم أمام مخاطر تتجاوز الحرب على غزة، بل وترسم سياقات لصدام يفوق ما تحدّث عنه منظّرو صراع الحضارات أو صدامها، فشعور أي ذات، وتحديداً الذات العربية المناصرة لفلسطين، وفي أوسع منها الذات الإسلامية، بالضعف أو العجز، سيولد شعوراً بالظلم والمرارة يدخل العالم بما هو أوسع من صدام حصل في فترات مضت.

ذلك أن إعدام غزة، وهو المشروع الذي تقوده اليوم حكومة يمينية متطرفة، سيكرّس في الوعي الجَمْعي مرحلة جديدة من الصراع، تتجاوز أي سيناريو يرسمه سياسيّو هذه الحكومة الاسرائيلية التي تقود العالم إلى الهاوية، غير آبهة بالنتائج.

كما قلنا في مقالات سابقة، فإن غزة اليوم تختبر العالم وقواعده وقِيَمه التي كانت نتاجاً لمرحلة ما بعد حربين عالميتين، وهي في غزة مختلفة عما سواها من قضايا واجهها العالم في مرات مضت، ذلك أن القضية الفلسطينية هي أقدم قضايا العالم، وهي الرمزية التي ما تزال تفرز العالم، بدوله وتوجهات سياسييه وتياراته الفكرية.

لذا فما يجري من ظلم للفلسطينيين اليوم، وتهجير، وتجويع، وضرب مستشفيات… هو مشهد غير مسبوق في العالم الذي يدّعي أنه يملك قِيَماً وله إرث. فنحن لا نرى سوى مشهد يريد إعدام نحو مليوني شخص، وهناك تتشكل رموز، بينها مستشفى الشفاء، وصورة النازح، وأي نصر يعتقد نتنياهو ووزراؤه أنهم يحققونه، ليس سوى وهم. ردود الفعل لن تنتهي، والذات الفلسطينية أثبتت على مدار عقود أنها صلبة ومؤمنة بحقها في العدالة.

وهذا العالم العاجز عن حماية المساجد والكنائس في غزة، والعاجز عن حماية مستشفيات ونازحين لا حول لهم ولا قوة، يرسم على جبينه عاراً سيبقى ماثلاً أمامه، في نموذج أو مشهد سوريالي يستهزئ بكل ادعاءاته من تحضّر وقِيَم. وعلى قدر أهمية التعويل على حراك الشارع في الغرب، فإن الأهم هو حراك النخب في الغرب واقتناعها أن ما يجري يتجاوز حدود غزة.
ذلك أن آلة القتل الإسرائيلية تغتال ليس أبرياء وحسب، بل تغتال قِيَم الغرب وما يدّعيه من انسانية، وهي تنتج أجيالاً لن تنسى.

وإذا ما بقي هذا العجز، حتى عن طرح فكرة ومشروع عدالة لفلسطين وأهلها، فلن يكون هناك هدوء، ولن يقتنع الملايين بأي خطاب يتحدث عن التسامح، وغيره من الخطابات المشابهة.

إن إعدام غزة، وهو ما تفعله إسرائيل اليوم، سيعني إعدام قِيَم وتاريخ عالم بأكمله، وما قبل ذلك لن يكون كما بعده. فعلى عقلاء العالم لجم إسرائيل اليوم، قبل الوصول إلى نقطة انفجار سيكون معها من المحال العودة لأي مربّع سابق.

إنّ غزة ما تزال تختبر العالم…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock