صيدا والجنوب

يوسف النقيب عن رفيق الحريري و”المقاصد – صيدا”: قصة وفاء متبادل

في تقديمه لكتاب “تاريخ جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا: سيرة ورسالة “للمؤرخ ‏الصيداوي الراحل الدكتور طلال المجذوب عام 2002، وتحت عنوان “قرن وربع قرن على ‏مقاصد صيدا .. صيدا المدينة وصيدا المدرسة” ، كتب رفيق الحريري ( الرئيس الفخري ‏للجمعية ) : ” الحديثُ عن المقاصد في صيدا حديثٌ عن المدينة التي أُحبّ، والتي احتضنت عبر ‏عشرات القرون هذا الساحلَ الذي كان يتجمع فيها، وتتجلى فيه… عرفتُ المقاصد في صيدا، ‏ومدرسةَ فيصل الأول فيها بعد معرفتي لمنزل أهلي في الطفولة المبكّرة. فاجتمع في مشاعري ‏الأمران: بيت الأهل، والمقاصد. وعندما شببتُ عن الطَوق، كانت المقاصدُ هي نافذتي على عالَم ‏المدينة، وعالَم الوطن… لقد كانت عهوداً للصبا، ومرابع للفتوة، ومنابت للوعي بالوطن والأمة… ‏تعلمنا في المقاصد الالتزام بفلسطين وبالعروبة. وتعلمنا أن العيش في مُدُن القلب، مثل صيدا، ‏عيشٌ فريدٌ بوجوهه المختلفة السارة والمُحزنة…ان وعي الكثيرين منا ممن نشأوا في الخمسينات ‏والستينات مرتبط بتلك المؤسسات التربوية التي شكلت حسنا الوطني والقومي ومهدت بجهود ‏ومساعي وايمان معلميها وادارييها بمجتمعهم وأمتهم لمشاركتنا شباناً وكهولاً في حياة العرب ‏الجديدة وحياة العصر والعالم . ولا شك ان المقاصد صيدا واحدة من تلك البيئات الجادة التي ‏أسهمت وما تزال في الماضي والحاضر التربوي والوطني.. وقد حاولت ان افيها بعض ديونها ‏عليّ وآمل ان أتمكن ويتمكن الأخوة والزملاء في صيدا والجوار من المتابعة مع المقاصد ‏والمؤسسات التعليمية الأخرى لكي تستمر في أداء رسالتها ورعاية اجيالنا من ضمن عراقتها ‏وتجددها في آن معا ً… / رفيق الحريري‎ “. ‎

رفيق الحريري ورسالة المقاصد

لم تتوقف علاقة رفيق الحريري بمقاصد صيدا عند ما اختزنه من ذكريات له فيها تلميذاً في ‏مدرسته الأولى “فيصل الأول” ، وفتى تفتح وعيه من على مقاعدها وباحات ملاعبها وحراك ‏طلابها من أبناء جيله حينها على قضايا الوطن وفلسطين والأمة العربية بل بقيت ملازمة لقلبه ‏وتفكيره واهتمامه طيلة عقود تلت.. وشكل حبه للمقاصد ودعمه اللامتناهي لها وللعديد من ‏جمعياتها لاحقاً نموذجاً متقدماً لحبه لمدينته ولروح التكافل الاجتماعي الذي لطالما تميز بها أبناء ‏المدينة‎ .‎

يقول المهندس يوسف النقيب ، رئيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا ورفيق درب ‏الرئيس الشهيد ” قيض الله للمقاصد – صيدا على مدى مسيرتها الطويلة ( عمرها 144 سنة ) ‏رجالات ومحسنين وداعمين من أبناء صيدا عملوا في خدمتها وواكبوها في كل المراحل التي ‏مرت بها وأعطوا الكثير من وقتهم وجهدهم ومالهم من أجل استمرار الجمعية في أداء رسالتها .. ‏ورفيق الحريري ابن المقاصد هو باني نهضتها الحديثة الذي كانت المقاصد بالنسبة له نموذجاً ‏مصغراً عن صيدا وكان رحمه الله يعتبر ان المقاصد هي البيت الصغير لصيدا ، وكان يعتبر انه ‏اذا نجحت المقاصد وأدت رسالتها الصحيحة بأن نعلم أولادنا الدين الإسلامي السمح والوسطية ‏والإعتدال فانما بذلك نكون نبني مجتمعاً محصناً بالعلم والقيم الإسلامية والإنسانية السامية عدا ‏عن انها تؤمن عبر مؤسساتها فرص عمل لعدد كبير من أبناء المدينة والجوار‎”. ‎

رفيق الحريري يعيد بناء مدرسته الأولى

ويضيف ” كانت لرفيق الحريري مع المقاصد -صيدا اكثر من محطة وفاء متبادل ، فبعد ان ‏اعطاه الله ، كان اول ما قام به انه اعاد بناء مدرسته “فيصل الأول” بعد دمجها بمدرسة عائشة ‏أم المؤمنين في مبنى واحد جنوبي المدينة ( مدرسة عائشة حالياً ) ، وهي مدرسة شبه مجانية ‏تعلم الأولاد من ذوي الدخل المحدود . وقمنا خلال السنوات الأخيرة بإضافة قسم جديد لها . ‏واتخذت الجمعية منذ اربع سنوات قراراً باعطاء من يتخرج منها منحة خمسين في المائة ليكمل ‏دراسته في ثانوية المقاصد وهذا شجع اكثر الناس على ان تستمر وتتعلم‎” .‎

ويتابع المهندس النقيب ” بقي رفيق الحريري يسأل دائماً عن المقاصد وعن احتياجاتها ولا يتأخر ‏عن تأمين كل ما تحتاجه ، وكانت له في فترات لاحقة اكثر من مبادرة تجاه المقاصد – صيدا ‏ومؤسساتها التربوية، فقد كان له دور كبير واساسي في تجاوز المقاصد لأزمتها المالية في ‏ثمانينيات القرن الماضي وبقي الى جانبها في كل المحطات ، واعتقد انه كان يرى اكثر منا ما ‏أهمية المقاصد بالنسبة لصيدا لهذا السبب نحن نقول ما كان دائما يؤمن به بأنهاذا كانت المقاصد ‏بخير فصيدا بخير‎… “.‎

ثانوية حسام الدين الحريري

ويقول النقيب ” وفي احدى المرات خلال ثمانينات القرن الماضي ، طلب رفيق الحريري ان ‏يجتمع مع القيمين على جمعية المقاصد -صيدا وابلغهم انه يريد ان يقدم مشروعاً للمقاصد ‏فاقترحوا عليه – ووقتها كان الأستاذ مصطفى الزعتري رئيسا للمجلس الإداري واعتقد كان ‏الأستاذ بهاء البساط رئيساً للجمعية – فطلبوا من رفيق الحريري ان يتم بناء ثانوية على ارض ‏للجمعية في مجدليون فقال لهم : بل اريد ان اشتري ارضاً واعمرها واجهزها ويكون لها ترتيب ‏كلي مني انا . واثناء البحث عن المكان الأنسب قال لهم خذوا ارضاً في كفرفالوس ، ففضلوا ان ‏تكون في صيدا للحفاظ على تواصل المدينة مع المقاصد.. فوقع الإختيار على ارض في ‏الشرحبيل – بقسطا على مساحة 45 دونماً ، و 20 دونماً اشتراها خارجها لتضاف اليها لأنه ‏كان يرى الأفق للمقاصد الى اين يصل وانهم قد يضطرون لاحقا الى تكبير او إضافة ابنية ‏للثانوية التي أرادها مدرسة بمصاف المدارس الحديثة والمتطورة من كل النواحي من حيث البناء ‏والإنشاء والتجهيز والتعليم والكادر البشري الذي كان يهتم به اكثر من البناء ، فأنشئت الثانوية ‏تحت اسم “ثانوية حسام الدين الحريري” وفاءً من الجمعية لما قدمه رفيق الحريري للمقاصد ‏وافتتحت برعايته وحضوره في العام 1995 .. وها هي اليوم ثانوية حسام الدين الحريري بعد ‏‏27 سنة في مصاف المدارس المتقدمة والأولى على صعيد منطقة الجنوب‎ ” . ‎

ويختم المهندس النقيب بالقول ” 17 سنة مرت على استشهاد رفيق الحريري ، وعادة يقال ان ‏الموت ومرور السنين قد ينسينا الإنسان الذي نفقده.. لكن رفيق الحريري دائم الحضور وهو كل ‏يوم مع المقاصد ومع صيدا ومع بيروت ومع لبنان . رفيق الحريري لم يغب .. وهو لا زال ‏بيننا.. رحمه الله‎ ” . ‎

المصدر| رأفت نعيم – مستقبل ويب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock