أخبار لبنانية

مواصفات لا تنطبق على أي مرشح رئاسي

تكثر هذه الأيام المواصفات التي يريد اللبنانيون أن تكون متطابقة على رئيسهم المقبل. وعلى رغم أهمية هذه المواصفات وما فيها من طموحات مجبولة بأحلام وردية فإنها تكاد توضع لرئيس سيحكم في “جمهورية أفلاطون” أو في مدينة إبن خلدون الفاضلة. وينسى اللبنانيون، ومعهم قاداتهم بالطبع، أن الأشخاص الذين يشبهون الرئيسين فؤاد شهاب أو الياس سركيس غير متوافرين في هذا الزمن، الذي قال عنه البطريرك الراحل مارنصرالله بطرس صفير بأنه “رديء”. فمن يفتّش عن رئيس للجمهورية بهذه المواصفات كمن يفتّش عن إبرة في كومة قشمن أين يمكن الإتيان بشخص يكون منفتحاً على الجميع، ويحظى بإجماع سياسي داخلي، وقادراً على مخاطبة المجتمع الدولي كي يضع لبنان على سكة النهوض، وأن يمتلك رؤية إصلاحية وسياسية واقتصادية توفر بداية أمل للبنانيين لجهة تنفيذ الإصلاحات ومن ضمنها التوافق مع صندوق النقد بالاتفاق المبدئي، واستكماله بإصلاحات سياسية، وأن يكون رئيساً وسطياً لا ينتمي إلى أي من المحاور الإقليمية، ويكون ولاؤه للبنان حصراً، وأن يتمتع بعلاقات دولية وتوافق وقبول دولي، ليتمكن من إعادة نسج العلاقات التي دمرت مع الدول العربية والصديقة، وأن يكون له تاريخ يعبر عن هويته السياسية الإصلاحية التي هي حاجة للبنان في هذه الظروف.

فلا الزمن هو زمن فؤاد شهاب أو لا الظروف هي ظروف الياس سركيس. فالزمن الأول قد تحّول.

في مراجعة سريعة للأسماء المطروحة والمحتملة وغير المحتملة ترد أسماء من الصفّ الماروني الأول كالدكتور سمير جعجع بصفته رئيس أكبر تكتل نيابي ومسيحي، يليه النائب جبران باسيل كونه رئيس ثاني أكبر تكتل نيابي ومسيحي، يليهما الوزير السابق سليمان فرنجية. بالنسبة إلى جعجع يبقى موضوع الترشح مبدئيًا أكثر منه عملي وواقعي. وهذا ما تعترف به القيادة القواتية قبل غيرها من القوى.

وفي ما يتعلق بترشّح باسيل فهو صعب أولًا لأنه يحمل ثقل العقوبات الأميركية، وثانيًا لأنه لم يترك له “صاحبًا” طوال فترة رئاسة العماد ميشال عون. فهو مختلف مع الجميع من دون إستثناء، حتى مع حلفائه.

أمّا فرنجية فهو حالة قائمة بذاته، وله حيثية لا تتوافر في غيره من الّصف الأول، ولكن دون وصوله إلى بعبدا أكثر من عقبة، وأولها أن “حزب الله” لم يحسم خياره بعد، ثانيًا أن باسيل لم “يهضم” بعد فكرة أن يأتي رئيس من لا حيثية نيابية مسيحية وازنة له، وهو يميل إلى فرضية ترشيح جعجع بهذا المعنى الحصري والإفتراضي (من رابع المستحيلات) على أن يدعم ترشيح فرنجية.أمّا المرشحون الآخرون، مع ما يبديه الجميع من إحترام وتقدير لأشخاصهم على الصعيد الفردي، فهم غير قادرين على أن يكونوا على قدر كافٍ من تحمّل مسؤولية تراكمات عمرها سنوات من فساد وسوء إدارة و”تخبيص” في السياسات المالية وإنهيار تام على مستوى مؤسسات الدولة، وهم غير قادرين بالتالي على التوفيق بين نقيضين في السياسة وفي الإستراتيجيات، وفي النظرة المستقبلية لدور لبنان.

ونسأل مع السائلين بعد كل هذا: هل سنأتي برئيس من المريخ؟

التجارب تعلّم. ومن لا يتعلّم من تجاربه لا يستحق أن تُطلق عليه صفة المواطنة. خبرنا في آخر ثلاثين سنة كل أنواع الرؤساء، وأطلقت على عهودهم كل الصفات، التي لم تتطابق إطلاقًا مع الواقع، وآخر هذه الصفات معروفة نتائجها الملموسة إنهيارًا لم يشهد لبنان له مثيلًا.

ولأنه لا يوجد “سوبرمان” واحد من بين كل الأسماء المطروحة للرئاسة لنبدأ بإصلاح الجمهورية. وهكذا يستطيع أي رئيس، أيًّا يكن، أن يحكم بمسؤولية تراتبية… وللبحث صلة.
المصدر : لبنان 24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock