اقلام وافكار حرة

هذا ما قاله اية الله السيد محمد حسين فضل الله عن فتوى الامام الخميني بحق سلمان رشدي

خطبة الجمعة، مسجد بئر العبد، 24/2/1989

لقد قالوا عنّا إنّنا ضعفاء، ولكنَّ الضَّعف لا يمكن أن يسقط إنساناً قويّاً في دينه وفي موقفه، لهذا انطلقت الفتوى الّتي أصدرها الإمام في مسألة سلمان رشدي الَّذي أصدر كتاب “آيات شيطانيّة”، والّذي تهجَّم فيه على رسول الله(ص) بكلّ أسلوبٍ بذيء، فهو لم يتحدَّث بلغة علميَّة، ولكنَّه تحدّث بلغة بذيئة، كما تحدَّث عن زوجات رسول الله بهذه اللّغة نفسها، وتحدَّث عن الإسلام بطريقة مهينة.

لقد أفتى الإمام بإعدامه باعتبار كونه مرتدّاً، ومن المفسدين في الأرض، ولكونه يسبّ رسول الله، وباعتبار كونه يمثِّل واجهةً من واجهات الكافرين، وباعتبار كونه يمثِّل خلفيّةً استعماريّة لإثارة الجوّ ضدَّ الإسلام والمسلمين.

إنَّهم يقولون إنَّ حقوق الإنسان لا تسمح بأن يصدر أيّ شخصٍ فتوى بإعدام آخر، ولا سيَّما إذا كان الآخر من بلدٍ آخر، وإنَّ ذلك يمثِّل بغضاً أعمى وإساءة فكريَّة، وانطلقوا بكلّ ِكلماتهم، وسار معهم بعض المسلمين الَّذين غذَّاهم الغرب بمفاهيمه وبثقافته وبكلِّ أساليبه، إنَّهم يخافون أن يتحدَّث الغرب عنّا بأنّنا متعصّبون.. كما أنَّ الدول الإسلاميّة انطلقت بطريقة خجولة، وبعض النّاس يقولون إنّه لا بدَّ من أن نؤلّف كتاباً ضدّه، والبعض يرى أن نقدِّم دعوى ضدّه في المحاكم البريطانيّة.. لقد أحرج الإمام القائد الواقع كلَّه، واستطاع أن يعدمه، وبعض النّاس يقولون إنَّه أعطاه دعايةً أكثر، ولكنَّ الواقع أنَّ هذه الفتوى استطاعت أن تصدم كلَّ الواقع الإسلاميّ المتهالك أمام الغرب.

وعمل الغرب على حصار إيران، وجعلوا من القضيَّة قضيَّة سياسيّة كبرى، واستطاعت الفتوى أن تكشف الخلفيَّات السياسيَّة التي تقف وراء الكتاب، وأنَّ الغرب لا يزال يعيش عقليّة مبغضة للإسلام والمسلمين.

نقول لكم: قد تكون عندكم مبادئ لحقوق الإنسان، ولكنَّنا كمسلمين نملك أيضاً مبادئ لحقوق الإنسان، ونحن نختلف معكم في كثيرٍ من هذه المبادئ. إنكم ترون أنَّ للإنسان الحريَّة حتى عندما يسيء إلى مقدَّسات الآخرين، ولكنّنا لا نوافق على ذلك، وعندنا مفاهيمنا الإسلاميّة التي شرَّعها الإسلام، وهذا ما لا تختلف عليه كلّ المذاهب الإسلاميَّة، فارجعوا إلى كل كتب الفقهاء والمذاهب، وستجدون أنَّ الحكم واحد.

نحن لسنا ضدّ حريّة الفكر، وقد عرف التّاريخ، ومن خلال القرآن، أنَّ الإسلام يعمل على أساس أن يخوض الصِّراع الفكريّ مع كلّ الّذين يطرحون الفكر المضادّ، لكنَّ هناك فرقاً بين من يطرح أمامك فكراً بطريقة علميّة، ومن يطرح كلاماً بذيئاً يشتمل على سبابٍ وشتائم واتهامات بطريقةٍ فاحشة بذيئة. هذا الكتاب لم يطرح فكراً حتى تناقشه على أساس الفكر، هذا سبّ لنبيّنا وإسلامنا، ولا يتعلَّق بحريّة الفكر، بل يتعلَّق بردِّ العدوان، فكيف من حقّنا أن نواجه من يعتدي على أرضنا وبلدنا، وليس من حقّنا أن نواجه من يعتدي على مقدَّساتنا!؟ إنَّ المقدَّسات عندنا أخطر من الأرض والوطن وكلّ ذلك.

أمَّا أن يقال: إنَّ المرتدّين كثيرون، فلماذا اخترتم هذا الشَّخص؟ فلأنّه جاء محمَّلاً بكلِّ الخطط الاستعماريّة الغربيّة ضدّ الإسلام، وإلا ما معنى موقف الدّول الغربيّة كلّها منه؟!

إنَّ كثيراً من المسلمين وغيرهم يستهينون بمسألة ارتباطنا بالإسلام ورسول الله، ونحن نقول إنَّ العالم المستكبر يقف لحماية شخصٍ واحد، ولكنَّه لا يقف لحماية مقدَّسات مليار مسلم، فما معنى ذلك؟ معنى ذلك أنّ الغرب يحمي الَّذين يكيدون للإسلام، لأنّه لا يريد للإسلام أن ينطلق.

لهذا نحن مع الإمام الخميني في ذلك، لأنّه انطلق من مواقفه الفقهيَّة الإسلاميَّة، وليرض من يرضى، وليغضب من يغضب، {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}[8].

وفي هذه المناسبة، ونحن نذكر الإمام الخميني، أودّ أن أشير إلى أنَّني تحدَّثت إليه، وأراد مني أن أبلغكم سلامه وتحيّاته ودعواته، وأن أطلب إليكم باسمه أن تظلّوا ملتزمين بالإسلام كلّه، وأن لا تجاملوا أبداً على حساب الإسلام، وأن تنطلقوا في خطّ الإسلام، وأن تكونوا إخوةً كما أراد الله. تلك هي رسالته الَّتي أرادني أن أبلغكم إيّاها، وإنّني أحمد الله على أنّه بخير في جسمه وفي صحّته، بالرّغم من كلّ الدّعايات المضلّلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock